تناولت صحيفتا "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" ما يدور من خلاف عبر الإنترنت بشأن برنامج تأشيرات العمال المهرة "إتش-1بي" (H-1B)، فسمّته الأولى حربا أهلية داخل حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى" (ماغا)، بينما حاولت الثانية إعطاءه أهمية كبيرة لما يترتب عليه لمستقبل أميركا.
ورأت واشنطن بوست -في تقرير بقلم برانشو فيرما وكات زاكرزيوسكي- أن الاشتباك بين نشطاء أقصى اليمين والملياردير إيلون ماسك وأنصار آخرين للرئيس المنتخب دونالد ترامب بشأن الحاجة إلى "برنامج هجرة العمال المهرة" الذي كان شريان الحياة لوادي السيليكون لفترة طويلة، يشير إلى انقسام محتمل بين القاعدة القومية الأساسية للرئيس والمديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا الذين جاؤوا لدعمه.
وقد يؤدي الجدال الذي انتشر خلال العطلة إلى نشوء انقسام داخل ائتلاف ترامب حول كيفية تنفيذ سياسة الهجرة، وذلك إثر انتقاد الناشطة من أقصى اليمين لورا لومر عبر شبكة إكس، اختيار ترامب لتسمية سريرام كريشنان، رجل الأعمال والمستثمر في مجال التكنولوجيا الذي ولد في الهند، كمستشار سياسي كبير له في مجال الذكاء الاصطناعي.
وذكّرت لورا لومر بدعم كريشنان السابق لإزالة بعض القيود المفروضة على البطاقات الخضراء وتيسير قدرة العمال الأجانب المهرة على القدوم إلى الولايات المتحدة، وكتبت أن تلك السياسة "تتعارض بشكل مباشر" مع أجندة ترامب.
إعلان
وقالت لومر: "نتطلع إلى الطلاق الحتمي بين الرئيس ترامب وشركات التكنولوجيا الكبرى. دعونا نصلي أن ينتهي مهرجان الحب المزيف بين شركات التكنولوجيا الكبرى وترامب عاجلا وليس آجلا".
تحديات في الانتظار
وبهذه الانتقادات اصطدمت لورا لومر مع بعض أقرب مستشاري ترامب، مثل إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركات تيسلا وسبيس إكس، وديفيد ساكس الذي سيكون مسؤول الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة للرئيس المنتخب، وفيفيك راماسوامي الذي سيشارك في قيادة لجنة تهدف إلى خفض الإنفاق العام.
وقال راماسوامي إن الثقافة الأميركية لا تنتج ما يكفي من العمال المهرة لدعم الشركات المتطورة، وكتب على موقع إكس أن "الوضع الطبيعي لا يكفي داخل سوق المواهب التقنية العالمية الشديدة التنافسية. وإذا احتفينا بذلك ستكون الصين هي المنتصرة".
وأثارت المعركة عبر الإنترنت موجة من المنشورات العنصرية من جانب لومر واتهامات بالرقابة، وقالت إن حسابها على إكس فقد وضعه الموثوق والمشتركين المميزين لأن ماسك الذي يملك المنصة، بدأ ينتقم منها.
وقد أيد جمهوريون بارزون موقف لومر، وقالت المرشحة الجمهورية السابقة نيكي هيلي "إذا كانت صناعة التكنولوجيا بحاجة إلى عمال فاستثمر في نظامنا التعليمي. استثمروا في القوى العاملة الأميركية"، وبالفعل قال المسؤولون التنفيذيون في مجال التكنولوجيا إنهم يفضلون توظيف العمال الأميركيين لأن الحصول على تأشيرات للعمال الأجانب مكلف ويمكن أن يستغرق وقتا طويلا.
وسيلة حاسمة
لكن ماسك، الذي كان يحمل تأشيرة العمال المهرة ذات يوم، واعتمد عليها لتوظيف الآلاف من موظفي تسلا، قال إن تجنيد العمال الأجانب وسيلة حاسمة لشركات التكنولوجيا للحصول على أفضل المواهب الهندسية للتنافس عالميا، وكتب على إكس "عدد الأشخاص الذين هم مهندسون موهوبون للغاية وذوو دوافع فائقة في الولايات المتحدة منخفض للغاية، وإذا كنت تريد أن يفوز فريقك بالبطولة، فأنت بحاجة إلى تجنيد أفضل المواهب أينما كانت".
إعلان
ويعكس الخلاف عبر الإنترنت التحديات التي سيواجهها ترامب في الحفاظ على التحالف السياسي الدقيق الذي أوصله إلى البيت الأبيض، والذي تضمن مستويات غير مسبوقة من الدعم المالي من جهة ماسك وغيره من مليارديرات وادي السيليكون، وقال صامويل هاموند، كبير الاقتصاديين في مؤسسة الابتكار الأميركية "إنها علامة على صراعات مستقبلية. هذا يشبه اللعبة التمهيدية".
وسعى ترامب إلى وضع نفسه كبطل للهجرة القانونية، رغم أنه قطع مسارات المهاجرين خلال ولايته الأولى، وعرض القليل من التفاصيل حول كيفية معالجته للهجرة الماهرة في صناعة التكنولوجيا خلال ولايته الثانية.
الديناميكيون والثابتون
أما صحيفة "نيويورك تايمز"، فانطلقت -من خلال عمود الكاتب ديفيد بروكس- من فكرة للكاتبة فرجينيا بوستريل زعمت فيها أن الانقسام الحقيقي في السياسة ليس بين اليسار واليمين بل بين الديناميكيين والثابتين، حيث يؤمن الديناميكيون بالتغيير المفتوح، في حين يريد الثابتون وضع حماية، قائلين لسنا بحاجة إلى التسرع في المستقبل، بل نحتاج إلى الاعتناء بمستقبلنا.
وهذا الصراع -حسب الكاتب- يزعج الحزب الجمهوري الآن، لأن إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي من الديناميكيين، وهم يريدون الترحيب بالمهاجرين الموهوبين في الاقتصاد الأميركي، وقد أثار غضبهم من يريدون تقييد الهجرة، وخاصة أنصار إلغاء برنامج تأشيرة الموهوبين.
ورأى الكاتب أن هذا هو نوع التوتر الأساسي في الحزب الجمهوري، الذي يتلخص في أن ترامب اختار حزبا رأسماليا ديناميكيا يعتمد على السوق الحرة، وغرس فيه فلسفة وقائية ومتخلفة ورجعية، مضيفا أننا سنرى هذا النوع من النزاع أيضا عندما يتعلق الأمر بالتنظيم الاقتصادي والتجارة وسياسة التكنولوجيا وسياسة العمل وسياسة الإسكان وما إلى ذلك.
سباق ملحمي
وأبدى ديفيد بروكس احتقاره هو وأمثاله للرجعيين، لأن بلدهم في سباق ملحمي مع الصين حول المستقبل، ومع من يعززون الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات، وهذا يعني الحاجة إلى جذب أفضل المواهب في العالم، في حين أن الرجعيين لديهم وجهة نظر تفيد بأن العقود القليلة الماضية من التغيير السريع قد أفرغت القواعد الآمنة للعديد من الناس كالأسر المستقرة.
إعلان
لا أعرف، يقول بروكس، ما إذا كانت "الترامبية" سوف تتطور إلى قوة حاكمة جادة، ولكن إذا حدث ذلك، فإن حل التوتر بين ديناميكييها وثابتيها سيكون مهمتها الرئيسة، أي إعطاء الناس العاديين شعورا بأنهم يتم الاعتناء بهم وبرؤاهم، حتى يشعروا بالأمان الكافي للترحيب بكل النعم التي يجلبها المهاجرون المهرة والتغيير التكنولوجي للأميركيين.
0 تعليق