27 ديسمبر 2024, 9:04 مساءً
بدأت في هذه الأيام بواكير الكمأة "الفقع" في الظهور في عدد من المحافظات شمال الأرطاوية وغرب حفر الباطن. وفور تناقل بداية ظهوره يسارع هواة جنيه ومحبو البر في البحث عنه، والسؤال عن أنواعه وأشكاله، وأماكن ظهوره، وفوائده، ويستفسرون عن كيفية العثور عليه، وعلاقته بعدد من النباتات الأخرى، وطريقة جنيه، وأفضل طريقة لتنظيفه وإعداده للأكل.
"سبق" وثَّقت لقطة اليوم مع بواكير ظهوره، ورصدت في هذا التقرير أهم المعلومات عنه، وقدمت عرضًا شاملاً للمهتمين به؛ لتجيب عن كثير من التساؤلات حوله.
وقت خروجه.. وسبب الاختلاف
اختلف المهتمون بجني الفقع في وقت ظهور الفقع بعد هطول أمطار الوسم؛ فمنهم من يؤكد أن ظهوره يكون بعد 36 يومًا شريطة أن تصل غزارة الأمطار إلى حد تصبح فيه المنخفضات مستنقعات لبعض الوقت، وبعض المهتمين يشير إلى أن ظهور الفقع يكون بعد 40 يومًا من هطول أمطار الوسم، فيما يؤكد الكثير من المتابعين أن المدة التي يظهر فيها الفقع بين 60 و70 يومًا ابتداء من أول مطر وسم.
والصحيح أن التباين في حساب مدة ظهور الفقع يرجع للعوامل المؤثرة في خروج الفقع، وهي: تعاقب أمطار الوسم واستمرارها، وطبيعة الأرض بين الليونة والصلابة، والظروف المناخية السائدة عقب المطر بين شدة البرد والدفء النسبي.. فكلما كانت الأرض لينة أو رملية، وكان الجو دافئًا، وتعاقب هطول المطر، قلَّت مدة ظهور الفقع، والعكس صحيح.
"القلفعة".. دليل وبرهان
يهتم الهواة بتتبُّع علامات خروج الفقع بعد هطول أمطار الوسم، وينتظرون متى يشق الفقع سطح الأرض، ويسمون تلك التشققات "قلفعة". يقول ابن منظور في "لسان العرب": "القلفعة: قشرة الأرض التي ترتفع عن الكمأة فتدل عليها".
ومن العلامات الدالة على وقت خروج الفقع إذا أزهر الذعلوق، وتحول زهره إلى شوك. وقيل في المثل الشعبي: "إذا شوّك الذعلوق تلقى الفقع نابي فوق"، أي سيبرز الفقع بعد أن (يتشوك) الذعلوق. والذعلوق من الأعشاب الحولية النجيلية القصيرة، وله زهرة صفراء، تظهر في وقت مبكر في فصل الشتاء، وسرعان ما تتحول في مرحلة متقدمة إلى ما يشبه الشوك.
ما هو الفقع؟ وما حجمه؟ وكيف ينمو؟
الفقع في اللغة العربية كلمة فصيحة، من معانيها: "البيضاء الرخوة من الكمأة"، بينما في اللهجة العامية يعني الكمأة بجميع أنواعها "الزبيدي، والخلاسي، والجبا"، وهو فطر بري موسمي، يشبه البطاطس شكلاً، وينمو في الصحراء بعد سقوط الأمطار بعمق من 5 إلى 15 سنتيمترًا تحت الأرض، ويستخدم كطعام، وعادة ما يراوح وزن الكمأة بين 30 و300 غرام، ويُعد من ألذ وأثمن أنواع الفطريات الصحراوية، وينمو على شكل درنة البطاطا في الصحاري.
لماذا سُمي "فستق الأرض" و"نبات الرعد"؟
ينبت الفقع بتأثير هطول أمطار غزيرة في "الوسم"، ويبدأ من 16 أكتوبر إلى 6 ديسمبر، أي حتى دخول المربعانية. وبعض المتابعين يؤكد أن هطول الأمطار في النجم الأول من المربعانية (١٣ يومًا) يُنبت الفقع أيضًا. وثبت أن الفقع لا ينبت إلا بعد تعاقُب وغزارة أمطار الوسم وارتواء الأرض؛ لذا وصف الأجداد الفقع وبعض الفطريات بـ"فسق الأرض"، وهذا يعني عندهم "زيادة الارتواء"، كما وصفوه أيضًا بـ"نبات الرعد"؛ وذلك لكثرة الفقع عقب غزارة أمطار الوسم الرعدية.
أماكن وجوده.. "الفقع حول الرقروق"
من علامات الأماكن التي ينبت فيها الفقع وجود نبتة الرقروق؛ لذا جاء في المثل الشعبي: "الفقع حول الإرقة، أو الفقع حول الرقروق". ويُروى هذا المثل أيضًا بقولهم: "الفقع بجنب الرقة". والرقروق، والرقة، والإرقة، والجريد، كلها أسماء عامية في السعودية لذلك العشب الحولي الذي عرَّفه ابن منظور في "لسان العرب" بقوله: "الإجرد: نبت يدل على الكمأة، واحدته إجردة". ونمو الرقروق بجانب الفقع أو بالقرب منه يوصف علميًّا بالعلاقة التكافلية بين النباتَيْن.
ويُطلَق اسم الرقروق في وسط السعودية على نبات "القصيص". ومن خصائص "القصيص" أنه ثنائي الحول، ينمو أحيانًا من أصل جذوره، بينما لا يكون ذلك في الرقروق (العشب الحولي).
والرقروق الحولي والقصيص الدائم من العلامات التي يستدل بها على ظهور الفقع، غير أن "الحولي" أكثر دلالة من "النبات ثنائي الحول"؛ ذلك أن جذور القصيص ربما نبتت أول مرة من عام سابق ونمت مرة أخرى، وليست نبتة من نبات الموسم القائم بتأثير هطول أمطار الوسم الأخيرة. ولا يكون ذلك في الرقروق الحولي الذي ينبت ويتكاثر فقط من البذور، كما أن وجود النبتتين ليس شرطًا لازمًا باستمرار على وجود الفقع؛ ففي حالات كثيرة يمكن أن توجد في الأرض نبتتا القصيص والرقروق أو إحداهما ولا يوجد الفقع.
وهناك من يعتقد أن نبتة "القليقلان" من العلامات التي يستدل بها على الفقع، ولكن هذا اعتقاد خاطئ؛ فمع أن النبتة تنمو بكثافة من تأثير هطول أمطار الوسم لكن لا علاقة لها بأماكن ظهور الفقع.
ولفطر الكمأة أنواع عدة، منها: "الزبيدي" وينبت في الشعاب وأطراف الأودية، ويمتاز بلونه الأبيض الناصع، وحجمه الكبير الذي قد يصل إلى حجم البرتقالة الكبيرة، وقد يتجاوز ذلك في حالات نادرة. و"الخلاسي" ينبت في القيعان والفياض، ولونه أحمر، وهو أصغر من الزبيدي، وهو في بعض المناطق ألذ وأغلى في القيمة من الزبيدي. و"الجبى" ولونه بني داكن محمرة، وهو صغير جدًّا. و"الهوبر"، ولونه بني داكن، وداخله أبيض، وهذا النوع يظهر قبل ظهور أنواع الكمأة الأخرى؛ إذ ظهوره دليل على أن بقية أنواع الكمأة ستظهر قريبًا، وهو أردأ أنواع الكمأة؛ لصغره وتراكم التربة عليه.
فوائد جمة
فوائد الفقع عديدة؛ فهو يبني الجسم؛ لاحتوائه على البروتين النباتي النافع، مثله مثل اللحوم، وهي بروتينات حيوانية. كما يحتوي على ألياف وعناصر معدنية؛ ما يجعله مقويًا عامًّا للجسم، وينفع الشعر والأظافر، ويجدد الجلد، ومقاوم جيد للشيخوخة.
وجاء في صحيح البخاري ومسلم: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين"؛ لذا من فوائد الكمأة أنها علاج للتراخوما، التي تعد أحد أمراض العين المستعصية، وتكثر في الأوساط الفقيرة التي تنعدم فيها النظافة.
طريقة تنظيفه وطهية.. وهؤلاء يأكلونه بحذر
هناك أعراض وخيمة تصيب الأشخاص نتيجة سوء إعداد وطبخ الفقع؛ لذا يجب تقشير الفقع كما تُقشَّر البطاطس، ثم يُغسل قبل طبخه لعلوق كمية عالية من التراب والرمل على سطحه. ويُطبخ من نصف ساعة إلى ساعة كاملة، ويمكن إعداده في المقلاة كما يقلى اللحم والكبد، ولكن لا يؤكل الفقع وهو نيئ أبدًا؛ لأنه يسبب عسر الهضم، إضافة إلى انتفاخات مؤلمة؛ لذلك من يعاني مشكلات في الجهاز الهضمي فعليه تجنب الفقع أو أكله بحذر.
محتويات "الفقع".. ولماذا "يُرخِّص اللحم"؟
كثيرًا ما نسمع كبار السن يرددون: "الفقع يرخِّص اللحم". وهذه المقولة لها تفسيرها العلمي؛ فمع أن نسبة الماء في الكمأة تتراوح بين 75 و80% إلا أن العلم الحديث أثبت أن فطر الكمأة غني بالبروتين؛ فقد ثبت من تحليل فطر الكمأة احتواؤه على البروتين بنسبة 9%، ومواد نشوية بنسبة 13%، ودهن بنسبة 1%، ويحتوي على معادن مشابهة لتلك التي يحتوي عليها جسم الإنسان، مثل الفوسفور والصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم. كما يحتوي على فيتامين "ب1، ب2"، وهو غني بفيتامين أ، كما يحتوي على كمية من النيتروجين بجانب الكربون والأكسجين والهيدروجين؛ وهذا ما يجعل تركيبها شبيهًا بتركيب اللحم. وطعم فطر الكمأة المطبوخ يشبه طعم كلى الضأن. ويحتوي أيضًا على أحماض أمينية ضرورية لبناء خلايا جسم الإنسان.
0 تعليق