وتشققت أقدام الغزيين الحافية واكتساها الغبار والتراب واعتلتها الجروح والتقرحات، ولم يجد الكثير من المواطنين في قطاع غزة أحذية يلبسونها بعدما اهترأت أحذيتهم التي مضى على لبسها واستخدامها أكثر من عام ونصف في ظروف استثنائية مشوا فيها أكثر من عمرها الافتراضي، ولم تعد تلك الأحذية أحذية لشدة خرابها وحياكتها بدلًا من المرة عشرات المرات.
ويقول المواطن أمجد راضي: "لقد قمت بحياكة حذائي وأحذية أبنائي وبناتي منذ بداية الحرب عشرات المرات حتى أصبحت ممزقة من كثرة وخز المخرز والمخيط فيها، ولم أعد أقدر على تلبية طلباتهم بشراء حذاء لكل واحد من أفراد العائلة الثمانية لارتفاع أسعارها غير المعقول ليتضاعف في بعض الأحذية مثل الشبشب لأكثر من عشرة أضعاف سعره الطبيعي".
اظهار أخبار متعلقة
ويضيف، كنا في السابق نشتري "شبشب" الأطفال بثمانية شواكل (2.2 دولار) أصبح اليوم ولشح الأحذية في الأسواق أكثر من ثمانين شيكلًا، أما حذاء "البوت" فكنا نشتريه بسعر من 30- 50 شيكلًا أما الآن أصبح سعره 250 شيكلًا على الأقل و"شبشب" الجلد يباع بسعر من 220- 250 شيكلًا وهذا شيء لا يصدق وهو صفعة جديدة ووجه آخر من أوجه حرب الإبادة المسعورة التي تشنها إسرائيل ضد شعبنا.
أحذية خشب وقماش— Fayed Abushammalah. فايد أبو شمالة (@fayedfa) September 4, 2024هذه هي الطريقة الوحيدة ليحصل أطفال غزة على نعال تحمي أقدامهم الصغيرة
ويصنع صابر دواس هذه النعال من الخشب والأقمشة المستعملة للأطفال في غزة لأنهم لا يستطيعون الحصول على النعال والأحذية بسبب حرب الإبادة والحصار الإسرائيلي
pic.twitter.com/00LWYwDgrP
وذكر أن الكثير من المواطنين ولقلة توفر الأحذية عادت بهم الذاكرة لسنوات كثيرة وقاموا بصناعة "قبقاب" وهو حذاء خشبي، واستخدموه رغم ثقل وزنه وارتفاع صوت المشي به، ولكنهم يأتون على أنفسهم لقلة ذات اليد.
بينما يقول المواطن سالم أبو وردة لوكالة "وفا" المحلية: "أصبحنا نمشي في كثير من الأوقات المشاوير القصيرة وبين الخيام حفاة الأقدام حفاظًا على ما تبقى من أحذية لدينا وخشية أن تتمزق ولا نستطيع توفير بديل لها في ظل الغلاء الفاحش الذي أصابها ولشحها في الأسواق"، مضيفًا: "كنا في السابق نذهب لمحلات أو بسطات بيع الأحذية المستخدمة "البالة" ونشتري منها في الأوقات الصعبة التي كانت تمر علينا ولكن اليوم ولكثرة الطلب وعدم إدخال الاحتلال أحذية مستخدمة كما في السابق أصبح من الصعب الحصول على حذاء مستخدم وإن وجد يكون بسعر مقارب لسعر الحذاء الجديد".
ويضيف، "الأحوال صعبة جدًا ولا يمكن لعقل أن يتصور مدى المأساة التي نحياها فنحن بالكاد وبعد جهد كبير نستطيع توفير قوت يومنا ويوم أولادنا"، متسائلًا: "إلى متى سنبقى على هذا الحال المقيت الذي أصبحنا نخشى فيه الجلوس مع عائلاتنا وأولادنا خشية سماع طلباتهم التي هي حق وواجب علينا تلبيتها خوفًا من الكذب عليهم وعدم المقدرة على ذلك؟".
أما الطفل أنور حسنين فيقول: "وضع والدي المادي صعب إلى حد ما فنحن عشرة أفراد وهو لا يستطيع تلبية كل طلباتنا بشكل يومي الأمر الذي أجبرني على العمل لمدة تزيد عن العشرين يومًا على بسطة لبيع التوابل والبهارات لأتمكن من توفير سعر حذاء بدلًا من حذائي الممزق"، مضيفًا "أن سعر الحذاء 220 شيكلًا ووالده لا يستطيع أن يشتريه له".
ويشير، "اشتريت قبل فترة ليست بالكبيرة نعلًا قديمًا مستخدمًا وأخذته إلى الإسكافي وقام بوضع وجهة أمامية له ولكن مع مرور الأيام وكثرة الوقوف في طابور تعبئة المياه تلف ولم يعد يصلح للخياطة والتصليح الأمر الذي أجبرني على العمل لأشتري واحدًا جديدًا بدلًا منه".
اظهار أخبار متعلقة
بينما يقول تاجر الأحذية عبد الله شراب، "إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تمنع دخول الأحذية للقطاع الأمر الذي أدى إلى قلتها بالأسواق وانعكس تلقائيًا على ارتفاع أسعارها لأضعاف سعرها الأصلي أو يزيد وكل ذلك يضاف على عاتق المواطن الذي لا يستطيع توفير متطلبات الحياة إلا بشق الأنفس ولا دخل لأصحاب محالات بيع الأحذية في ذلك لأنهم يشترون من المصدر بسعر مرتفع".
وأردف: "من باب التخفيف عن أبناء شعبنا في ظل الظروف الحالية الصعبة أصبحنا نبيع عبر "التطبيق البنكي" الدفع الالكتروني للموظفين الذين لا يستطيعون سحب رواتبهم وبنفس السعر ورغم ذلك الطلب قليل للارتفاع الكبير في أسعار الأحذية مقارنة بسعرها الأصلي".
وأضاف أن ارتفاع الأسعار في أسواق الأحذية يعود لشحها ومنع الاحتلال إدخالها للقطاع، وفي حال سمح بذلك تكون بكميات قليلة جدًا وبأجرة نقل وتأمين مرتفعة للغاية، متمنيًا أن تدخل الأحذية من جديد للقطاع وتعود عجلة الاقتصاد بالدوران وتنتهي الحرب ويعود الناس لحياتهم التي اعتادوا عليها في السابق دون تشرد ونزوح.
صابر دواس ..— Ahmed (@ahmedyehia___) October 3, 2024
احد ابناء غـ..زه
بسبب الحصار يصنع احذيه للاطفال من الخشب والقماش..
لله الامر pic.twitter.com/46i6hcwMoV
أما الإسكافي (مصلح الأحذية) محمد عبد الرؤوف، فيقول: "لم يبق شيء في قطاع غزة إلا وارتفع سعره وبالتالي فإن أسعار "خيوط المصيص" التي تحاك بها الأحذية ارتفعت لعشرات أضعاف سعرها الأصلي، حيث كنا قبل الحرب نشتري الكيلو جرام منها بـ13 شيكلًا وأحيانًا بـ15، وبقي سعره يرتفع حتى وصل لـ 50 شيكلًا، وبعد ذلك ارتفع واستقر سعره بين 150– 200 شيكل، أما اليوم فنشتري الكيلو جرام بـ 600 – 650 شيكلا، وهذا شيء لا يتصوره عقل إلا أننا مجبرون على شراء تلك الخيوط لنتمكن من العمل ونوفر لقمة عيشنا".
ويضيف: "كنا في السابق نكتفي بتصليح الحذاء بسعر من واحد شيكل إلى سبعة أو ثمانية شواكل حسب حالته وما يحتاجه من تصليح، أما اليوم ولارتفاع أسعار الخيوط اختلف الأمر وأصبحنا نأخذ أقل شيء عشرة شواكل، الأمر الذي يزيد من معاناة المواطن ويضاف عبء جديد فوق الأعباء التي تتراكم فوق رأسه".
بينما الإسكافي أحمد أبو سلطان فيقول إن ارتفاع أسعار المواد الخام من خيوط وغراء وجلود أجبر بعض المواطنين على العودة لمئات السنين إلى الوراء حيث صنعوا "القبقاب الخشبي" لأن سعر التكلفة أقل من تصليح حذاء قديم ويخدم فترة أطول في ظل استهلاك الأحذية الكبير بسبب استخدامها على مدار الساعة في تعبئة المياه التي تتلف الجلود بشكل سريع.
ولفت إلى أن "القبقاب الخشبي" ثقيل في القدم إلا أن الكثير من المواطنين لجأوا إليه لقلة تكلفته وسهولة إصلاحه لأنه مصنوع من لوح خشبي يفصل على شكل نعل حذاء ويوضع عليه من الأعلى قطعة قماش أو قطعة جلد، مشيرًا إلى أنه يخرج صوتا عاليا أثناء المشي لثقل وزنه واحتكاك الخشب بالأرض إلا أن المواطن أصبح لا يبالي في ذلك في سبيل انتعال شيء في قدميه بدلًا من المشي حافيًا.
فيما تقول مسؤولة الاتصالات الرئيسية في اليونيسيف بغزة روزاليا بولين، لـ"وفا"، إن غزة هي واحدة من أكثر الأماكن المحزنة بالنسبة لنا كعاملين في المجال الإنساني، لأن كل جهد صغير لإنقاذ حياة طفل يضيع بسبب الدمار العنيف، وظل الأطفال على حافة كابوس حيث أبلغ عن قتل أكثر من 14500 طفل، وإصابة الآلاف غيرهم.
اظهار أخبار متعلقة
وحذرت في تصريح لها، من صعوبة الوضع مع حلول فصل الشتاء على غزة، حيث الأطفال يشعرون بالبرد والرطوبة وهم حفاة الأقدام، فيما لا يزال الكثير منهم يرتدون ملابس الصيف، مضيفة أن الأطفال يبحثون بين الأنقاض عن قطع بلاستيكية ليحرقوها، وإن الأمراض منتشرة في القطاع في ظل انعدام الخدمات الصحية وتعرض المستشفيات للهجوم بشكل مستمر.
وتبين المعطيات أن إجمالي ما دخل إلى قطاع غزة من شاحنات في الفترة الماضية لم يتجاوز 6% من الاحتياجات اليومية للمواطنين، وأغلب ذلك يتعلق بمواد غذائية، ولم يتعد ما يخص الملابس والأحذية 0.001%، ما تسبب بأزمة حقيقية، خاصة أن دولة الاحتلال دمرت ما لا يقل عن 70% من منازل القطاع وغالبية المحال التجارية والأسواق، بما فيها محالات بيع الملابس والأحذية، فضلا عن تقييد تنسيقات إدخال البضائع للتجار.
ويعيش الفلسطينيون في قطاع غزة ظروفًا استثنائية غاية في الصعوبة فهم يواجهون الحرب العسكرية والحرب الاقتصادية وحرب الجوع وقلة الزاد وانعدام المأوى، إضافة لمواجهتهم حرب النزوح وقلة الملابس والأحذية والحرب النفسية وحرب الأعصاب وغيرها الكثير التي لا تتحملها الجبال.
0 تعليق